-
التمرينات ومنهجية الترسيخ( ) :
التمارين اللغوية نشاط تربوي أساسي لا يمكن الاستغناء عنها في أي طريقة تعليمية، مهما كانت منطلقاتها واختياراتها اللسانية والمنهجية( ). فهي الطريق الطبيعي والمختصر لتكوين الآليات أو المهارات الصحيحة، وأداة مفيدة جدًا لقياس مردود التعليم ونتائجه. كما أنها وسيلة للكشف عن نواحي القوة والضعف عند المتعلمين. فهي باختصار المحرك الأساسي في تعليم اللغة واكتسابها( )، لأنها تمثل الجانب العملي الإجرائي الذي يُعد أهم خطوة في تنفيذ الدرس( ).
إن اطلاعنا على حصيلة التمارين التي تضمنتها كتب النحو المقررة في مراحل التعليم العام أثبتت لنا شيوع أنواع كثيرة أهمها : التعيين والتبيين، والتمييز، والتحديد، والاستخراج، والتحويل، والإعراب، والتشكيل، والتكوين، والتركيب، والتكملة والتتمة، والترتيب، و التصحيح، والتعليل والتلخيص( ). فمثلا في كتاب السنة السابعة أساسي نلاحظ أن تمارين القواعد تشيع بحسب الترتيب الآتي( ) :
تعيين - تبيين - تحديد - تمييز- استخراج
تحويـــل
إعـراب + تشكيـل
تكويـن + تركيب
تكملـة و تتمـة
تـرتيب
تصحيـح
تعليـل
تلخيص
ويختلف هذا الترتيب اختلافًا طفيفًا في كتاب السنة الثامنة أساسي إذ نلاحظ أن شيوع التمارين جاءت على الشكل التالي( ) :
تعيين - تبيين - تحديد - تمييز- استخراج
إعـراب + تشكيـل
تحويـــل
تعلـيل
تكويـن + تركيب
تكملــة
تصحيـح
تلخيـص
ترتيب
والجدير بالملاحظة حول هذه التمارين التي احتوتها كتب النحو المدرسي( ) هو اشتمالها على نماذج جديدة لم تكن موجودة في المقررات القديمة( ). وتظهر هذه التمرينات بوضوح على مستوى مرحلة " عبَّر "، وهي خطوة إجرائية في درس القواعد( )، تتضمَّن مجموعة من التمارين الحديثة( ) التي تهدف كما، يزعم المؤلفون( )، إلى تحقيق أهم أهداف تدريس النحو، وهو خدمة التعبير بشكليه المنطوق والمكتوب( ). وتتمثل هذه المجموعة في النماذج الآتية :
5 – 1 - تمرين صحح الخطأ :
في هذا النوع من التدريبات، يتعمَّد مؤلف الكتاب ارتكاب أخطاء نحوية أو صرفية أو إملائية، ثم يُطلب من التلميذ اكتشافها وتصحيحها مثال( )،
« صحح الجمل التالية بوضع المفعول به في موضعه اللائق به » :
1- تريد أيَّ كأس ؟
2- أصابَ جرَب شديد الأسدَ.
3- خَيَّرْتُ نفسي الأمور الأربعة التي يطلب الناس إيَّاها.
5 – 2 - تمرين البحث في المنجد :
الهدف من هذا النوع من التمرينات تهيئة التلاميذ لاستعمال المعجم، وتعويدهم على ذلك. كأن يُطلب من المتعلم أن يستعين بالمعجم ويبحث عن صيغ معينة أو كلمات، مثل :
استعن بالمعجم في البحث عن مضارع الأفعال التالية : (جَمَدَ، سَرَقَ، طَرِبَ، شَهِدَ، لَمَعَ)، ومن ذلك أيضا، البحث في المنجد عن مصادر الأفعال التالية (هَجَرَ، فَاتَ، سَرِعَ، سَاقَ، نَزَل)( ).
5 – 3 - تمرين التلخيص :
يندرج هذا النوع ضمن تمارين " تحضير شرح النص " أو " تحليل النص والتعليق عليه "، ويأتي دائمًا في نهاية التدريبات التي تذيَّل بها الدروس، إذ يكلف المتعلم بتلخيص نص الانطلاق (نص، حوار، قصة) في جمل محدودة ( ).
5 – 4 - تخيـَّل :
في هذا النوع من التمارين الإنتاجية يُطلب من المتعلم أن يتصور أقصى عدد ممكن من الأسئلة والأجوبة التي يمكن أن تجري في مقام معيَّن، ومن ذلك مثلا :
• « ذهبت إلى حانوت لتشتري أدوات مدرسية، أو موادَّ منزلية، تخيَّلْ الأسئلة والأجوبة المناسبة لها ».
• تخيَّل سؤالاً وجوابًا للأشخاص الموجودين بين قوسين : (الابن – الأب) (الأم – ابنتها)، (التاجر – المشتري)، (القاضي – المتهم) (المعلم – التلميذ)، مثل:
- الأب : أين كنت ؟
- الابن : كنت عند جدَّتي( ).
هذا النموذج الوظيفي التواصلي مفيد جدًا في تمرّس المتعلمين على الجانب المنطوق من اللغة، ولكننا لم نجد له أثرًا يذكر إلا في الدرس الأول من كتاب قواعد اللغة العربية للسنة السابعة أساسي( )، ولا يُعلم سبب اختفائه وحذفه بعد ذلك.
5 – 5 - النقـد :
لا يستطيع أحد أن ينكر التحسينات التي أُدخلت على مستوى التدريبات في كتابي قواعد اللغة العربية للسنة السابعة و الثامنة على الخصوص إذ نلاحظ، من حيث الكم، زيادة معتبرة في عدد التمارين التي ذُيّلت بها دروس النحو، حيث تجاوزت عشرة نماذج في كل درس، في حين بقيت على حالها في مقررات أخرى( ). أما من حيت الكيف، فهنالك تنويع( ) في التمرينات على مستوى الدرس الواحد، وكذلك على مستوى عدد الدروس التي تكوَّن المنهاج. فلا نكاد نعثر على النماذج نفسها في كل الدروس، بل هناك تغيير ملحوظ في الشكل و المضمون، من درس لآخر. ونشير من ناحية أخرى إلى أن نتائج التحسينات المذكورة سابقًا محدودة جدًا مقارنة مع النقائص و العيوب التي مازالت تميز مناهج النحو عامة، و التدريبات اللغوية خاصة، إذ يلاحظ عليها :
أ - تعقيد و غموض، أحيانا، على مستوى الأسئلة و التعليمات( ).
ب- إهمال لمقياس التدرج في ترتيبها، فالتمرينات في المقررات تبدأ عادة بالشكل التحليلي، و يشمل كل تدريب منها على عمليات و صعوبات متعددة.
ج- اهتمام مفرط بالأنواع التحليلية التركيبية. فقد أثبتت لنا عمليات الإحصاء أن تمارين التعيين و التحديد و التمييز و التعليل و الإعراب، تحتل الصدارة في بعض المقررات المدرسية( )، و الجدول الآتي يوضح ذلك :
شكـل تكمـلة إعـراب تكـوين تحويـل تعليـل تعيين /تمييز تبيين نوع التمرين
2 8 13 18 23 29 34 عدد التمارين
%1,57 %6,29 %10,23 %14,17 %18,11 %22,83 %26,77 النسبة المئوية
يتضح لنا من خلا الجدول، غياب الأنواع الجديدة من التمارين كالتمارين البنوية (Les exercices structuraux) والتمارين التواصلية(Les exercices communicatives).
وتمارين الألعاب اللغوية Les exercices de jeux))( )... ويعني هذا أن الطابع التقليدي ما زال قائماً على مستوى الإعداد و التخطيط. ويظهر بوضوح على مستوى التنفيذ، أي على مستوى تأدية المعلم لتلك التمرينات داخل القسم. فقد لوحظ فقر كبير لدى المدرسين من حيت الأساليب و الإجراءات والتقنيات الحديثة التي أُدخلت منذ عهد قريب على التمارين اللغوية بشكل عام. فعلى الرغم من اشتمال بعض الكتب المدرسية على مجموعة مفيدة جدًا من التمارين التقليدية كالتحويل مثلا، إلا أننا لم نسجل ابتكارات جديدة على مستوى إجراء المدرس لها. فَفُرَصُ التمرُّس التي تُتاح للمتعلم قليلة، والكم الذي يقدم له كذلك ضَئيل جدًا، و حتى هذا الكم الضئيل، هدفه اختبار المعرفة النظرية لدى المتعلمين، و لذلك لاحظنا اهتماما مفرطًا داخل القسم، ببعض الأنواع على حساب أنواع أخرى أهم. فالتمارين المعروضة في الصف، جلها كتابي تحليلي، يُجرَى بطريقة فردية، الاهتمام فيها قائم على تحديد العناصر وتمييزها و ليس على تنمية مهارة التبليغ، و لذلك كانت نتائجها العملية ضعيفة المستوى، قليلة الغنى، لا سيما في الجانب الوظيفي الاستعمالي للغة العربية.
إن الخطأ الذي تقع فيه معظم البرامج المدرسية، بما فيها طريقة المعلم، هو الإصرار على حشوها بالدروس النظرية التي تنتهي بالمتعلم إلى معرفة قواعد النحو دون اكتساب اللغة، ثم نسيان الطابع التطبيقي الذي يضمن للطفل اكتسابا ناجعا للغة المنشأ في محيطها الاجتماعي( ).
وبصورة عامة يوجد تقصير و تهاون بالعمل الترسيخي المنظم المستمر، علمًا أن المرحلة الترسيخية هي من أهم المراحل وأخطرها في عملية الاكتساب والتعلم. وقد أشار " ابن خلدون " إلى نتائج هذا التقصير على الملكة اللسانية. فقال، مقارنًا، بين ثلاثة أنواع من تعليم الملكة اللسانية؛ تعليم المشارقة وتعليم المغاربة وتعليم الأندلسيين: «... وأما المخالطون لكتب المتأخرين، العارية من ذلك [ أي شواهد العرب و أمثالها]. إلا من القوانين النحوية، مجردة عن أشعار العرب و كلاهم، فقلَّما يشعرون لذلك بأمر هذه الملكة أو ينتبهون بشأنها، فتجدهم يحسبون أنهم حَصلوا على رُتبة في لسان العرب، وهم أبعد الناس عنه، وأهل صناعة العربية بالأندلس ومعلموها أقرب إلى تحصيل هذه الملكة و تعليمها ممن سواهم، لقيامهم فيها على شواهد العرب و أمثالهم. والتفقه في كثير من التراكيب في مجالس تعليمهم (...) و أما من سواهم من أهل المغرب وإفريقية و غيرهم، فأجروا صناعة العربية مجرى العلوم بحثا، و قطعوا النظر عن التفقه في تراكيب كلام العرب، إلا إن أعربوا شاهدًا أو رجحوا (معنى) من جهة الاقتضاء الذهني لا من جهة محامل اللسان و تركيبه. فأصبحت صناعة العربية (عندهم) كأنها من جملة قوانين المنطق العقلية و الجدل، وبَعُدَت عن مناحي اللسان و ملكته (...) وما ذلك إلا لعدولهم عن البحث في شواهد اللسان وتراكيبه، و تمييز أساليبه، وغفلتهم عن المران في ذلك للمتعلم، فهو أحسن ما تفيده الملكة في اللسان »( ).
لأن المران يُولَّد القياس وينميه ويثبته عند المتعلم. ومعلوم أن اللغة كلها قياس، ولا يمكن تصور لغة بدون قياس. فالولد الصغير يتعلم اللغة بالسماع والمحاكاة، ويستنبط القواعد بمقارنة الأمثلة بعضها ببعض. والعربي الفصيح الذي لا يعرف القراءة والكتابة ولا مدرسة يُجيد لُغته لأنه يقيس ويقارن، وبذلك يرفع الفاعل وينصب المفعول، ويؤنث المؤنث، ويذكر المذكر، ولولا القياس لما تعلم أحد منا لغته الأصلية التي يستعملها يوميًا. وما نسميه سجية هو في الحقيقة قياس عفوي لا نشعر به.
ونظرًا لأهمية المران المنظم في تثبيت مثل النحو وأنماطه وتنمية القياس فإن اللسانيين يذهبون إلى أن قسطه من الدرس يجب أن يكون أوفر بكثير من حصتي العرض والإيصال( )، كما في الرسم الآتي :
ماهو كائن ما ينبغي أن يكون
الحصة المخصصة للعرض والشرح (حصة المعلم)
الحصة المخصصة للتمرين (حصة المتعلم)
يمكن القول، انطلاقًا من هذا المخطط، إن هناك فرقًا شاسعًا بين طريقة تختم درس القواعد ببعض التمارين، وطريقة ثانية تؤسس درس القواعد (من أوله إلى نهايته) على التمارين( ).
6 - خلاصــة :
إن أهم ما نستخلصه من خلال تحليلنا للمنهجية المتبعة في تدريس مادة النحو، وواقع تأدية المعلم لها داخل القسم، هو الفجوة الكبيرة بين الأهداف السلوكية المنشودة والمتمثلة في خدمة التعبير بشكليه الشفوي و الكتابي( )، و النتائج المحققة على أرض الواقع التي تشير إلى عكس ذلك. فالواقع يثبت أن الطريقة المتبعة في تدريس مادة القواعد لا تخرج عن العرض المباشر، و الدليل على ذلك الخطاب النحوي للمدرسين داخل القسم، الذي يظهر من خلاله التركيز على الجانب المعرفي النظري، و التهاون بالجانب المهاري الوظيفي، علمًا أن أفضل أشكال تعليم النحو هي تلك التي تتعدى حدود الحفظ و الاستيعاب للمعلومات، و القدرة على تحليلها وتفكيكها إلى تنمية القدرة على توظيفها و ممارستها في الخطاب و التبليغ، و هيهات أن تنجح دراسة النحو دون تدريب و تطبيق.
إن اللجوء المستبد من قبل المعلم إلى العرض الصريح، و التعريف النظري بالقواعد النحوية، و التهاون في آن واحد بالعمل الترسيخي المنظم المستمر الذي يجعل التلميذ يدرك بنفسه هيئات التركيب (مواقع المرفوعات و المنصوبات والمجرورات والمجزومات...)، وما يحتويه الكلام من المباني و المعاني بدون وساطة التعريفات المجردة لدليل واضح على التأثر السلبي للطريقة التعليمية بالتصورات المشوهة التي مازال كثير من المربين و المدرسين يحملونها عن طبيعة النحو و الغرض من تدريسه، علمًا أن وضوح هذا الهدف له أهمية كبيرة في جعل تعليم النحو أكثر فائدة و أقل عناء بالنسبة للمعلمين و المتعلمين.
وباختصار، فإننا لم نلاحظ تغييرات جذرية على مستوى منهجية العرض، وإجراء التدريبات، واختيار الأمثلة، وتوظيف الوسائل والمعينات، وشروح المعلم... والتغييرات التي حدثت على مستوى تلك العناصر، سطحية جدًا، مست الجانب الشكلي ولم تصل إلى الجوهر.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar